دلالة لفظة أدب في كتاب البيان والتبيين للجاحظ


تقديم




     الحمد لله أكمل الحمد ، ولا إلاه إلا الله أهل الثناء   والمجد ،  وسبحان الله الذي خلق الخلق أخيافا مختلفين ، وأصنافا متفاضلين ، ثم لا فاضلين بعد الأنبياء أفضل من العلماء ، فهم الأبهرون فضلا ، والأطهرون خصلا ، والأرفعون قدرا ، والأجدرون بأن تؤثر مآثرهم وتخلد تدوينا ونشرا .
   وصلوات الله وسلامه الأدومان على سيد المصطفين عبده ورسوله محمد والنبيين ، وآل كلًّ وسائر الصالحين ، ما عمَّ العالمين بإحسانه ، وخصَّ العارفين بعرفانه ، آمين .
   أما بعد

 فقد جاء في كتاب " التوجيه الأدبي " لطه حسين وجماعته ما يلي : [ دلت مادة الأدب مند أقدم العصور العربية الإسلامية عاى معنيين مختلفين ولكنهما مع ذلك متقاربان : الأول رياضة النفس بالتعليم ، والتمرين على ما يستحسن من السيرة والخلف . والثاني الثأثر بهذه الرياضة والإنتفاع بها ، واكتساب الأخلاق الكريمة ، واصطناع السيرة الحميدة ،فالأب الذي يأمر ابنه  بالخير وينهاه عن الشر ، ويحمله على ما يستحسن ويرده عما يكره مؤدب لإبنه ، والإبن متأدب بأدب أبيه . ثم تطورت هذه الكلمة بعض التطور فاستعملت بمعنى التعليم ، وأصبح لفظ الؤدب يرادف لفظ المعلم الذي يتخد التعليم صناعة ويكسب به رزقه عند الخلفاء والأمراء ووجوه الناس ، وأصبح لفظ الأدب يدل على ما يلقيه المعلم إلى تلميذه من الشعر والقصص والأخبار والأنساب وكل ما من شأنه أن يثُقف نَفس الصبي ويهدبها ويمنحها حظا من المعرفة . كان هذا التعريف في القرن الأول للهجرة ، أما في القرن الثاني والثالث نشأت علوم اللغة العربية ونمت واستقلت بأسمائها ، فكان النحو والصرف واللغة ، وأصبح الأدب بهذا المعنى كتب معروفة مشهورة منها : كتاب الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرّد ، وكتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وكتاب طبقات الشعراء لمحمد بن سلام ، وكتاب الشعر والشعراء لإبن قتيبة ] .1
______________________
(1) : ينظر : طه حسين وجماعته ، " التوجيه الأدبي " ، وزارة المعارف العمومية ، المطبعة الأميرية بالقاهرة . ط : 1 ، ص ص : 2.1

وسنركز بحثنا على دلالة لفظة أدب ، على كتاب " البيان والتبيين " لأبي عثمان بن عمرو بن بحر الجاحظ ، وسنحاول إقتباس مفهوم الأدب من هذا الكتاب ، الذي يعتبر من أمهات المصادر التي لها علاقة بالأدب .

المحور الأول : نبذة من سيرة الجاحظ
 1- اسمه ونسبه
قال عنه ياقوت الحموي : " عمرو بن بحر بن محبوب أبوعثمان الجاحظ مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني ثم الفقيمي أحد النسّاء – قال يموت بن المزرع : الجاحظ خال أمي ، وكان جد الجاحظ أسود يقال له فزارة ، وكان جمَّالا لعمرو بن قلع الكناني . وقال أبو القاسم البلخي : الجاحظ كناني من أهل البصرة . وكان الجاحظ من الذكاء وسرعة الخاطر والحفظ بحيث شاع ذكره وعلى قدره استغنى عن الوصف " .(1)
- ولادته ونشأته2
قال الحموي : [ قال المرزباني ، حدث المازني قال : حدثني من رأى  الجاحظ يبيع الخبز والسمك بسيحان . قال الجاحظ : أنا أسَّن من أبي نواس بستة ، ولدت في أول سنة خمسين ومائة وولد في آخرها [...] وحدث  أنَّ الجاحظ قال : نسيت كنيتي ثلاثة أيام حتى أتيت أهلي فقلت لهم : بم أكنى ؟ فقالو : بأبي عثمان . وحدث أبو هفان قال . لم أرقط إلا إستوفى قراءته كائنا ما كان حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر ، والفتح بن خاقان فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكل فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتابا من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده إليه حتى في الخلاء ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت إليه إلا رأيته ينظر في كتاب أو يقلب كتبا أو ينفضها .

____________

(1) " معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب " لياقوت الحموي ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، دار الغرب الإسلامي ، بيروث ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1993 ، ج/5 ، ص 2101


وقال المرزباني ، قال أبو بكر أحمد بن علي : كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام وكان واسع العلم بالكلام كثير التبحُّر فيه شديد الضبط لحدوده ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا ، وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرةالدين وفي حكاية مذهب المخالفين ، والآداب والأخلاق ، وفي ضروب من الجد والهزل ، وقد تداولها الناس وقرأوها وعرفوا فضلها ،وإذا تدبَّر العاقل المميز أمر كتبه علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأدهان ومعرفة أصول الكلام وجواهره وايصال خلاف الإسلام ومذاهب الإعتزال إلى القلوب كتب تشبهها . والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة وغير المعتزلة من العلماء الذين يعرفون الرجال ويميزون الأمور ] .(1)
                                                                                  
3- شيوخه وتلامذته
_ شيوخه :
ذكرهم ياقوت الحموي في كتابه ومنهم :
* أبي عبيدة
* الأصمعي
* أبي زيد الأنصاري
* الأخفش أبي الحسن
* وأخد الكلام عن النظام
* أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان
* حذيفة بن بدر بن عمر . وغيرهم
_ تلاذته :
ذكرهم أيضا ياقوت الحموي ومنهم :
* يحيى بن علي المنجم
* آبار هيم بن رباح 
* عبد الله بن جعفر الوكيل

___________

(1) : ينظر : م.ن : ج/5 ص ص 2103.2102.2101

* الفتح بن خاقان
* أبو حيان
* ابن اخشاد
* أبو الفضل ابن العميد . (1)
        4- مؤلفاته وآثاره
  امتاز الجاحظ بغزارة التأليف وقد ذكر ياقوت الحموي بعض كتبه وهي :
[ كتاب " البيان  والتبيين " ، كتاب " الحيوان "، كتاب " البخلاء " ، كتاب " نضم القرآن " ، كتاب " خلق القرآن " ، كتاب " الرد على أصحاب الإلهام " ، كتاب " الرد على النصارى " ، كتاب " فضيلة المعتزلة " ، كتاب " مسائل القرآن " ، كتاب " النساء " ، كتاب " البغال " ].(2) وغيرها الكتير
    5- وفاته
جاء في كتاب " معجم الأدباء" : " مات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومائتين في خلافة المعتز ، وقد جاوز التسعين " (3)
   المحور الثاني : دلالة لفظة أدب في كتاب البيان والتبيين

يلجأ الجاحظ إلى الحسن ليضيفه إلى مفهوم الأدب ومشتقاته فنراه يردد عبارات كأحسن الأدب(4) وأحسن الآداب (5) وحسن التأديب(6) ويحسن أدبه (7) ،ويضاف حسن إلى أدب للدلالة على الجانب الجمالي فيه ،
_________

(1) ينظر : م.ن : ج/5 ص ص : من 2101إلى 2115
(2) ينظر : م.ن : ج/5 ص ص من 2111 إلى 2120
(3) ينظر : م.ن : ج/5 ص 2101
(4) الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام هارون ،مكتبة الخانجي ، القاهرة، ط7،     1998 ، ج/2 ، ص 156 ، ص 322 .
(5) م.ن : ج/2 ص 23 .
(6) م.ن : ج/2 ص 174
(7) م.ن : ج/1 ص 83

وبما أن لفظ أدب في هذه الحالة ليس إلا الطريقة التي يسلكها المؤدب أو الأديب لبلوغ غايته في تناول الأمور، فإن حسن الأدب تضيف إلى مدلولها معنى اللطافة والحذق والذكاء مما هو دليل على العقل والعلم معاً،وحسن الأدب يؤتى به لمقابلة السلوك الخشن أو التصرف عن جهل .
ويبدو أن علاقة الأدب بالحسن أصبحت علاقة عضوية في ذهن الجاحظ فكلما ذكر الأدب ذكر الحسن او ما ينوب عنه من الألفاظ مثل جمال أو زين أو لطف وغير ذلك .
وهذا ما يمكن مشاهدته في قوله :"مدَحَ رجلٌ قوماً فقال، أدّبَتْهمُ الحكمة، وأحكمَتْهم التَّجارِب... فأحسَنُواالمقال، وشَفَعوه بالفَعال"(1)،وفي قول عبد الملك بن صالح "أدَّيت الحقَّ إلى اللَّه في تأديبك، فلا تُغفِلنَّ الأخذَ بأحسنها، والعملَ بها" (2) .
وإذا كان الأدب في بعض النصوص يظهر على أنه حسن القول والعمل معاً فإن كثيراً من النصوص لا تذكر إلا الجزء الأول ،وقد يدل هذا على تطور في المفهوم واتجاه به نحو ما سيخصص له أعني حسن القول فقط ،ويمكن ملاحظة ذلك في نص كهذا :قال :" تكلّم جماعةٌ من الخطباء عند مَسلمة بن عبد الملك، فأسهبوا في القول، ثم اقترح المنطقَ منهم رجل من أخْريات الناس، فجعل لا يخرُج من حسنٍ إلاّ إلى أحسَنَ منه"(3)، والخروج من شيء إلى شيء هو طريقة أهل الأدب، ويعجب الجاحظ إعجاباً شديداً بقول علي بن أبي طالب " إن قيمة كل امرىء ما يحسنه"(4).
إن مفهوم حسن القول لدليل قوي على امتداد مفهوم الأدب الجاحظ من عناصر داخلية،وهذا الفهم من الجاحظ يتفق من المذاهب الأدبية الحديثة ،مايسمى بمذهب الفن للفن .



__________________
(1) م.ن : ج/4 ص92.
(2) م.ن ،ج4، ص95.
(3) م.ن  ، ج2، ص79.
(4) م.ن ، ج1، ص83.


  الخاتمة
هذا ما وفقنا الله في جمعه حول دلالة لفظة أدب من خلال كتاب " البيان والتبين " للجاحظ ، ويثير انتباهنا في هذا التعريف انه محدود ومقتصر ولا يحيط بكلّ جوانب الآداب وفروعه ، بحيث انه لم يضم خصائص وقواعد الآداب الأساسية التي نعرفها في عصرنا الحديث ،ألا وهي الفكرة والأسلوب وغيرها من الخصائص ، ولهذا فإن تعريف الجاحظ للأدب في عصرنا الحديث .
  ولأن الأدب في التعقيد بما فيه ، لا يمكننا لوم الجاحظ في اختصار تعريفه ، أولا : لأن التعريف الذي جاء به الجاحظ ، هو الملازم للأدب في عصره ، وهو التعريف المتفق عليه بين علماء عصره .
ثانيا : أنه أفادنا إفادة كبيرة في التعريف اللغوي للأدب ، ألا وهو التأدب وحسن الخلق ، كما أنه أعطى إشارات للتعريف الإصطلاحي الذي يعتمد عليه الباحثون في عصرنا لتأطير قضية الأدب .
  وصفوة القول ، الحمد والشكر لله الذي وفقنا في إعداد هذا البحث ، وإن كان فيه من توفيق فهو من الله ، وإن كان فيه من نقص أو عيب فهو منا ، ونسأل الله التفوق فيما هو قادم إن شاء الله.
                               لائحة  المصادر والمراجع

_ " الأدب وفنونه دراسة ونقد " ،  الدكتور عز الدين إسماعيل ، دار الفكر العربي ، 1425 ه/ 2004م

_ " البيان والتبيين " ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، تحقيق عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط 7 ، 1998.
_ " التوجيه الأدبي " ، طه حسين ، أحمد أمين ، الدكتور عبد الوهاب عزام ، الدكتور عبد الوهاب عزام ، الدكتور محمد عوض محمد ، المطبعة الأميرية ، القاهرة ، ط 1 ، 1952.
_ " تاريخ الأدب العربي " ، الدكتورعبد الحكيم العبد ، مركز اللغات والترجمة – أكادمية الفنون ، 2006م – 1427ه .   
_ " معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب " ياقوت الحموي الرومي ، تحقيق الدكتور إحسان عباس ، دار الغرب الإسلامي ، ط1 : 1993



       

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوضة لدى موقع لنستيقظ. يتم التشغيل بواسطة Blogger.